فصل: تفسير الآية رقم (63):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ}
الضمير في قوله: {وإن يريدوا} عائد على الكفار الذين قيل فيهم، {وإن جنحوا} [الأنفال: 61] وقوله: {وإن يريدوا أن يخدعوك} يريد بأن يظهروا له السلم ويبطنوا الغدر والخيانة، أي فاجنح وما عليك من نياتهم الفاسدة، {فإن حسبك الله} أي كافيك ومعطيك نصرة وإظهارًا، وهذا وعد محض، و{أيدك} معناه قواك، {وبالمؤمنين} يريد بالأنصار بقرينة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإن يريدوا}
قال مقاتل: يعني: يهود قريظة {أن يخدعوك} بالصلح لتكف عنهم، حتى إذا جاء مشركو العرب، أعانوهم عليك {فإن حسبَك الله}.
قال الزجاج: فإن الذي يتولىَّ كفايتك الله: {هو الذي أيَّدك} أي: قوَّاك.
وقال مقاتل: قوَّاك بنصره وبالمؤمنين من الأنصار يوم بدر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ} أي بأن يُظهروا لك السلم، ويُبطنوا الغدر والخيانة، فاجنح فما عليك من نياتهم الفاسدة.
{فَإِنَّ حَسْبَكَ الله} كافيك الله؛ أي يتولّى كفايتك وحياطتك.
قال الشاعر:
إذا كانت الهيجاءُ وانشقّتِ العصا ** فحسبُكَ والضّحاكَ سيفٌ مُهَنَّدُ

أي كافيك وكافي الضحاك سيفٌ.
قوله تعالى: {هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} أي قوّاك بنصره.
يريد يوم بدر.
{وبالمؤمنين} قال النعمان بن بشير: نزلت في الأنصار. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وإن يريدوا أن يخدعوك} يعني يغدروا بك قال مجاهد: يعني بني قريظة والمعنى وإن أرادوا بإظهار الصلح خديعتك لتكف عنهم {فإن حسبك الله} يعني فإن الله كافيك بنصره ومعوته {هو الذي أيدك بنصره} يعني هو الذين قواك وأعانك بنصره يوم بدر وفي سائر أيامك {وبالمؤمنين} يعني وأيدك بالمؤمنين يعني الأنصار.
فإن قلت: إذا كان الله قد أيده بنصره فأي حاجة إلى نصر المؤمنين حتى يقول وبالمؤمنين.
قلت: التأييد والنصر من الله وحده لكنه يكون بأسباب باطنة غير معلومة وبأسباب ظاهرة معلومة فأما الذي يكون بالأسباب الباطنة فهو المراد بقوله: {هو الذي أيدك بنصره} لأن أسبابه باطنة بغير وسائط معلومة وأما الذي يكون بالأسباب الظاهرة فهو المراد بقوله: {وبالمؤمنين} لأن أسبابه ظاهرة بوسائط وهم المؤمنون والله سبحانه وتعالى هو مسبب الأسباب وهو الذي أقامهم لنصره. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ}
بإظهار السلم وإبطالِ الحراب {فَإِنَّ حَسْبَكَ الله} أي فاعلم بأن محسبك الله من شرورهم وناصرُك عليهم {هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} تعليلٌ لكفايته تعالى إياه عليه الصلاة والسلام بطريق الاستئنافِ، فإن تأييدَه تعالى إياه عليه الصلاة والسلام فيما سلف على ما ذكر من الوجه البعيدِ من الوقوع من دلائل تأييدِه تعالى فيما سيأتي أي هو الذي أيدك بإمداد مِنْ عنده بلا واسطة كقوله تعالى: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} أو بالملائكة مع خَرقه للعادات {وبالمؤمنين} من المهاجرين والأنصار. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ}
بإظهار السلم {فَإِنَّ حَسْبَكَ الله} أي محسبك الله وكافيك وناصرك عليهم فلا تبال بهم، فحسب صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل والكاف في محل جر كما نص عليه غير واحد وأنشدوا لجرير:
إني وجدت من المكارم حسبكم ** أن تلبسوا حر الثياب وتشبعوا

وقال الزجاج: إنه اسم فعل بمعنى كفاك والكاف في محل نصب، وخطأه فيه أبو حيان لدخول العوامل عليه وإعرابه في نحو بحسبك درهم ولا يكون اسم فعل هكذا {هُوَ} عز وجل: {الذى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} استئناف مسوق لتعليل كفايته تعالى إياه صلى الله عليه وسلم فإن تأييده عليه الصلاة والسلام فيما سلف على الوجه الذي سلف من دلائل تأييده صلى الله عليه وسلم فيما سيأتي، أي هو الذي أيدك بإمداده من عنده بلا واسطة، أو بالملائكة مع خرقه للعادات {وبالمؤمنين} من المهاجرين والأنصار على ما هو المتبادر.
وعن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه والنعمان بن بشير وابن عباس والسدي أنهم الأنصار رضي الله تعالى عنهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)}
لمّا كان طلب السلم والهدنة من العدوّ قد يكون خديعة حربية، ليَغرُّوا المسلمين بالمصالحة ثمّ يأخذوهم على غرّة، أيقظ الله رسوله لهذا الاحتمال فأمره بأن يأخذ الأعداء على ظاهر حالهم، ويحملهم على الصدق، لأنّه الخُلق الإسلامي، وشأن أهل المُروءة، ولا تكون الخديعة بمثل نكث العهد، فإذا بعث العدوَّ كفرُهم على ارتكاب مثل هذا التسفّل، فإنّ الله تكفّل، للوفي بعهده، أن يقيه شرّ خيانة الخائنِين.
وهذا الأصل، وهو أخذ الناس بظواهرهم، شعبة من شعب دين الإسلام قال تعالى: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدّتهم إن الله يحب المتقين} [التوبة: 4] وفي الحديث: آية المنافق ثلاث، منها: وإذا وعد أخلف.
ومن أحكام الجهاد عن المسلمين أن لا يخفر للعدوّ بعهد.
والمعنى: إنْ كانوا يريدون من إظهار ميلهم إلى المسالمة خديعةً فإنّ الله كافيك شرّهم.
وليس هذا هو مقام نبذ العهد الذي في قوله: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} [الأنفال: 58] فإنّ ذلك مقام ظهور أمارات الخيانة من العدوّ، وهذا مقام إضمارهم الغدر دون أمارة على ما أضمروه.
فجملة: {فإن حسبك الله} دلّت على تكفّل كفايته، وقد أريد منه أيضًا الكناية عن عدم معاملتهم بهذا الاحتمال، وأن لا يتوجّس منه خيفة، وأنّ ذلك لا يضرّه.
والخديعة تقدّمت في قوله تعالى: {يخادعون الله} من سورة [البقرة: 9].
وحسب معناه كاف وهو صفة مشبّهة بمعنى اسم الفاعل، أي حاسبك، أي كافيك وقد تقدّم قوله تعالى: {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} في سورة [آل عمران: 173].
وتأكيد الخبر بـ(إنْ) مراعى فيه تأكيد معناه الكنائي، لأنّ معناه الصريح ممّا لا يشكّ فيه أحد.
وجَعْل {حسبك} مسندًا إليه، مع أنّه وصف، وشأن الإسناد أن يكون للذات، باعتيار أنّ الذي يخطر بالبال باديء ذي بدء هو طلب من يكفيه.
وجملة {هو الذي أيدك بنصره} مستأنفة مسوقة مساق الاستدلال: على أنّه حَسبه، وعلى المعنى التعريضي وهو عدم التحَرّج من احتمال قصدهم الخيانة والتوجّس من ذلك الاحتمال خيفة، والمعنى: فإنّ الله قد نصرك من قبل وقد كنت يومئذ أضعف منك اليوم، فنصَرك على العدوّ وهو مجاهر بعدْوَانِه، فنصرُه إيَّاك عليهم مع مخاتلتهم، ومع كونك في قوّة من المؤمنين الذين معك، أولى وأقرب.
وتعدية فعل {يخدعوك} إلى ضمير النبي عليه الصلاة والسلام باعتبار كونه وليّ أمر المسلمين، والمقصود: وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك الله، وقد بُدّل الأسلوب إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ليتوصّل بذلك إلى ذكر نصره من أول يوم حين دعا إلى الله وهو وحده مخالفًا أمّة كاملة.
والتأييد التقوية بالإعانة على عمل.
وتقدّم في قوله: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيّدناه بروح القدس} في سورة [البقرة: 87].
وجعلت التقوية بالنصر: لأنّ النصر يقوي العزيمة، ويثبت رأي المنصور، وضدّه يشوش العقل، ويوهن العزم، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض خطبه وأفسدتم عليَّ رأيي بالعصيان حتّى قالت قريش: ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا معرفة له بالحرب.
وإضافة النصر إلى الله: تنبيه على أنّه نصر خارق للعادة، وهو النصر بالملائكة والخوارق، من أوّل أيّام الدعوة.
وقوله: و{بالمؤمنين} عطف على {بنصره} وأعيد حرف الجرّ بعد واو العطف لدفع توهّم أن يكون معطوفًا على اسم الجلالة فيوهم أنّ المعنى ونصر المؤمنين مع أنّ المقصود أنّ وجود المؤمنين تأييد من الله لرسوله إذ وفّقهم لاتّباعه فشرح صدره بمشاهدة نجاح دعوته وتزايد أمته ولكون المؤمنين جيشًا ثابتي الجنان، فجعل المؤمنون بذاتهم تأييدًا.
والتأليف بين قلوب المؤمنين مِنّة أخرى على الرسول، إذ جعَل أتباعه متحابّين وذلك أعون له على سياستهم، وأرجى لاجتناء النفع بهم، إذ يكونون على قلب رجل واحد، وقد كان العرب يفضلون الجيش المؤلف من قبيلة واحدة، لأنّ ذلك أبعد عن حصول التنازع بينهم.
وهو أيضًا منة على المؤمنين إذ نزع من قلوبهم الأحقاد والإحن، التي كانت دأب الناس في الجاهلية، فكانت سبب التقاتل بين القبائل، بعضها مع بعض، وبين بطون القبيلة الواحدة.
وأقوالهم في ذلك كثيرة.
ومنها قول الفضل بن العبّاس اللهَبي:
مَهْلًا بني عمّنا مهلًا موالينا ** لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

اللَّه يعلم أنّا لا نحبكمو ** ولا نلومكمو أنْ لا تحبونا

فلمّا آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم انقلبت البغضاء بينهم مودّة، كما قال تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} [آل عمران: 103]، وما كان ذلك التآلف والتحابّ إلاّ بتقدير الله تعالى فإنّه لم يحصل من قبل بوشائِج الأنساب، ولا بدعوات ذوي الألباب.
ولذلك استأنف بعدَ قوله: {وألف بين قلوبهم}. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)}
فإذا أحسست أن مبادرة السلم التي يعرضونها عليك هي مجرد خديعة حتى يستعدوا لك ويفاجئوك بغدر ومكر، فاعلم أن الله تعالى عليم بمكرهم، وأنه سيكشفه لك، وما دام الله معك فلن يستطيعوا خداعك، وإذا أردت أن يطمئن قلبك فاذكر معركة بدر التي جاءك النصر فيها من الله تعالى وتمثلت أسبابه المرئية في استعداد المؤمنين للقتال ودخولهم المعركة. وتمثلت أسبابه غير المرئية في جنود لم يرها أحد، وفي إلقاء الرعب في قلوب الكفار، وكان النصر حليفك بمشيئة الله تعالى:
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَإِن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ}
والخداع هو إظهار الشيء المحبوب وإبطان الشيء المكروه، وتقول: فلان يخادعني أي يأتي بشيء أحبه، ويبطن لي ما أكرهه، ولأن الخداع في إخفاء ما هو مكروه، وإعلان ما هو محبوب، فهل أنت يا محمد متروك لهم، أم أن لك ربا هو سندك، وهو الركن الركين الذي تأوي إليه؟. وتأتي الإجابة من الحق سبحانه وتعالى: {وَإِن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين} [الأنفال: 62].
إذن فالله سبحانه وتعالى حسبك وسندك وهو يكفيك؛ لأنه نصرك وآزرك. وأنت ترى أن هذه قضية دليلها معها، فقد نصرك ببدر رغم قلة العدد والعُدد.
والتأييد تمكين بقوة من الفعل ليؤدى على أكمل وجه وأحسن حال، وما دام الله عز وجل هو الذي يؤيد فلابد أن يأتي الفعل على أقوى توكيد ليؤدي المراد والغاية منه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (63):

قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{وألف بين قلوبهم} بعد غاية التباغض، فصار البعيد منهم قريبًا والبغيض حبيبًا والعدو صديقًا، وكانوا على قلب واحد؛ ثم استأنف الإخبار بما دل على تعذر ألفتهم لولا هو فقال: {لو أنفقت} أي وأنت أتقن الخلق لما تصنعه {ما في الأرض جميعًا} أي في إرادة ذلك {ما ألفت بين قلوبهم} ثم أكد ذلك بقوله: {ولكن الله} أي وهو الذي له جميع صفات الكمال {ألف بينهم} ثم علل نفوذ فعله وأمره فيه بقوله: {إنه عزيز حكيم} أي لأنه لولا عزته التي تغلب كل شيء ولا يغلبها شيء وحكمته التي يتقن بها ما أراد بحيث لا يمكن لأحد أن يغير شيئًا منه لما تألفوا بعد أن كان قبل كل أحد من فريقيهم للآخر أشهى من لذيذ الحياة وصافي العيش لما بينهم من الإحن التي لا تزال تثور فتغلي لها الصدور حتى تفور بقتل الأحباب من الوالدين والأولاد والقهر بأنواع الأذى مع المجاورة المقتضية لدوام التحاسد وإثارة الضغائن، وكذا فعل سبحانه بجميع العرب بعدما كان بينهم من القتل المنتشر مع ما لهم من الحمية والأنفة الحاملة على الانتقام.
والذي أمدك بهذه الألطاف حي لا يموت باق على ما كان عليه من القدرة والقوة، فهو الكفيل بحراستك ممن يريد خداعك، فإذا أمركم بأمر فامتثلوه غير مفكرين في عاقبته، فإنه قد بينه بعزته وأتقنه بحكمته وستعلمون. اهـ.